اعتماد المخادعة والتخدير بهدف تأجيل الانهيار.. الموازنة ستتضمّن إجراءاتٍ مؤلمة!

0

تحت عنوان ما حدود التطمينات الأميركية للبنان؟، كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: ما يخشاه بعض الخبراء هو أن يلتفّ المسؤولون اللبنانيون مرّة أخرى على التحذيرات الدولية ويعتمدوا أسلوب المخادعة والتخدير، بهدف تأجيل الانهيار مرّة أخرى… على زغل. ففي ظل هذه السياسة، سيتعاظم حجم الإنهيار المنتظر منذ سنوات. فالسقوط اليوم أكثر إيلاماً ممّا كان قبل عام، وباتت تداعياتُه كارثية. وبعد عام، سيكون السقوطُ أكثرَ إيلاماً ممّا هو اليوم… وستكون تداعياتُه مصيرية بالنسبة إلى الدولة والكيان اللبناني.

يبدو المسؤولون وكأنهم يخبّئون شيئاً ما عن الناس، ويفرجون عنه تدريجاً لتخفيف وقع الصدمة. ولم تتضح بعد ملامح التدابير المالية والإدارية والاقتصادية التي سيتم اعتمادُها “قسراً” استجابةً لمتطلبات مؤتمر “سيدر”. ويتأخّر إصدار الموازنة بسبب الإرباك. وكل ما يرشح عنها هو أنها ستتضمّن “إجراءاتٍ مؤلمة”. وما يرشح من هذه التدابير يمكن وضعُه في 3 خانات:

1 – تدابير يمكن أن تكون مناسبة، ولكن لا أحد يكفل تنفيذها، كما هو الحال بالنسبة إلى خطة الكهرباء.
2 – تدابير غير كافية أساساً، كالاقتطاع المتوقع من الرواتب والتقديمات والتعويضات في القطاع العام، أو المسرحية الاستعراضية المتوقعة في ما يخصّ رواتب النواب والوزراء.
3 – تدابير في غير محلّها كفرض الضرائب والرسوم الجديدة.

إذاً، الخطوات اللازمة لتحقيق الإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي الحقيقي غير مطروحة. فلا شفافية، ولا أُطلٍقَت يد القضاء وأجهزة الرقابة، ولا إعتُمِد الحزم لاستيفاء المتوجبات للدولة من ضرائب ورسوم ورفع التعديات على الأملاك والمرافق العامة، ووقف الهدر والسمسرات، وإخضاع المؤسسات لآليات العمل الدستورية والقانونية. 

وطبيعي أن تتجاهل الطبقة السياسية هذه الخطوات الجدّية لأنها تمسّ بمصالح أركان السلطة أنفسهم، كالتهرب الضريبي والتعديات والصفقات بالتراضي. 

ويؤجّل الموفد الرئاسي الفرنسي بيار دوكان زيارته للبنان، انتظاراً لما ستنتهي إليه الجوجلة الإصلاحية. والجميع في سباق مع الوقت. ولكن، على رغم من التشدّد الذي يبديه الفرنسيون رعاة مؤتمر “سيدر”، ومعهم الجهات الدولية المانحة، فإنهم أخيراً قد يفرجون عن جانب من المساعدات الموعودة في شكل قروض لبعض القطاعات، ما قد يجنّب لبنان انهياراً حتمياً آتياً. 

وفي عبارة أخرى، إنّ تحريك المساعدات سيؤجّل وقوع الكارثة، ولكن إلى حين، كما تأجّل وقوعها على مدى ربع القرن الفائت بالوعود والتسويف ومخادعة الجهات المانحة. وفي الموازاة، يتحرَّك المسؤولون لتجنّب استحقاق العقوبات الأميركية على “حزب الله”، واحتمال شمولِها حلفاءه أيضاً أو الدولة اللبنانية ككل. ويقول الوفد اللبناني الذي فاوض الإدارة الأميركية والبنك الدولي إن لا توسيع للعقوبات وبأنّ الدولة اللبنانية ذاتها ليست مستهدَفة. 

في المبدأ، لم تُظهِر واشنطن في أيِّ يوم رغبتها في اتخاذ أيّ خطوة تزعزع الاستقرار اللبناني. وعلى العكس، إنّ هذا الاستقرار، سياسياً ومالياً وأمنياً، مرهونٌ منذ سنوات عديدة بمدى الدعم الأميركي.

ولكن، بعد النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات النيابية الأخيرة وتشكيل حكومة يحظى فيها “حزب الله” بمزيد من النفوذ، هزّ الأميركيون العصا للبنان. وأقاموا سدّاً لمواجهة انزلاق “الحزب” بلبنان الرسمي نحو إيران، وانزلاق الرئيس ميشال عون نحو روسيا.